طقوس غريبة لاستقبال العام الجديد

في مختلف أنحاء العالم، يُعد الاحتفال ببداية العام الجديد من المناسبات التي تحمل رمزية عميقة وأهمية ثقافية واجتماعية كبرى. إلا أن ما يميز هذه المناسبة هو تعددية وتنوع الطقوس والعادات التي ترافقها، حيث تتجلى في بعضها ممارسات تقليدية تُجسد الموروثات الشعبية، بينما تبدو أخرى غريبة أو غير مألوفة للناظر من خارج السياق الثقافي المحلي. في هذا المقال، نغوص في عالم الطقوس غير التقليدية المرتبطة باستقبال العام الجديد، من آسيا إلى أوروبا، ومن الأمريكتين إلى إفريقيا، كاشفين عن مدى تنوع وتفرد البشرية في احتفالاتها بهذه المناسبة السنوية.

الطقوس الغريبة في آسيا

اليابان: 108 دقات لطرد الخطايا

في اليابان، يُعرف احتفال رأس السنة باسم “أوشوغاتسو”، وتُمارس طقوس عميقة الجذور تتصل بالديانة البوذية. من أبرزها دق أجراس المعابد 108 مرة عند منتصف الليل. هذا الرقم يرمز إلى عدد الرغبات الدنيوية أو “الخطايا” التي ينبغي التخلص منها حسب الفلسفة البوذية. يُعتقد أن هذه الدقات تُطهر النفوس وتُهيئ الأفراد لاستقبال عام جديد بنقاء روحي وسكينة داخلية.

الفلبين: الدوائر والمال والثروة

في الفلبين، تحظى الأشكال الدائرية بأهمية رمزية كبرى في ليلة رأس السنة، إذ تمثل العملات المعدنية والثروة. لذلك يرتدي الكثير من الناس ملابس مزينة بالدوائر، مثل الفساتين أو القمصان المنقطة. كما يعمدون إلى حمل قطع النقود المعدنية في جيوبهم وهزها عند منتصف الليل لجلب الثروة والازدهار خلال العام المقبل.

الصين: الألعاب النارية وطرد الأرواح الشريرة

رغم أن رأس السنة الصينية يحتفل به في وقت مختلف عن التقويم الميلادي، إلا أن ممارساته تستحق الذكر. من الطقوس الغريبة استخدام الألعاب النارية والمفرقعات ليس فقط للاحتفال، بل لطرد الأرواح الشريرة وإخافتها بعيدًا عن البيوت. كما يُمارس تقليد تنظيف المنزل بالكامل قبل حلول السنة الجديدة لطرد الحظ السيء، مع الامتناع عن الكنس في أول أيام السنة الجديدة لعدم كنس الحظ الجيد بعيدًا.

الطقوس الغريبة في أوروبا

إسبانيا: 12 حبة عنب في 12 ثانية

في إسبانيا، تُعد عادة أكل 12 حبة عنب عند منتصف الليل من أشهر الطقوس المرتبطة ببداية العام. يتوجب على الشخص أن يأكل حبة واحدة في كل ثانية من الثواني الاثنتي عشرة التي تسبق منتصف الليل، كل واحدة تمثل شهرًا من السنة. يُعتقد أن من ينجح في أكل كل الحبات في الوقت المناسب سيحظى بسنة مليئة بالحظ والسعادة.

الدنمارك: كسر الصحون لجلب الحظ

من التقاليد غير المألوفة في الدنمارك أن يقوم الناس بكسر الصحون والأواني القديمة على عتبات منازل الأصدقاء والأقارب ليلة رأس السنة. في حين قد يبدو ذلك عدوانيًا، إلا أنه يُعتبر تعبيرًا عن المحبة وتمني الحظ الجيد. كلما زاد عدد الصحون المكسورة عند الباب، كلما دل ذلك على الشعبية وحسن الطالع.

اليونان: تعليق البصل على الباب

في اليونان، يُستخدم البصل كرمز للنمو والانبعاث، ولذا يتم تعليقه على باب المنزل عشية رأس السنة. يُعتقد أن هذا التقليد يرمز إلى بداية جديدة ونمو إيجابي خلال العام المقبل. صباح اليوم التالي، يقوم الوالدان بقرع رؤوس أطفالهم بالبصل برفق لإيقاظهم، في إشارة إلى بداية عام ملؤه النشاط والحيوية.

الطقوس الغريبة في الأمريكيتين

الإكوادور: حرق دمى السنة القديمة

في الإكوادور، يصنع السكان دمى ضخمة تمثل السنة المنصرمة، وغالبًا ما تكون على هيئة شخصيات سياسية أو مشهورة أو رموز للشر، ثم يقومون بحرقها في الشوارع. يُطلق على هذه الدمى اسم “مونيجوس”، ويُعتقد أن حرقها يطهر الأرواح من الطاقات السلبية ويُبعد سوء الحظ. هذه الطقوس تقام في جو احتفالي تُصاحبه الألعاب النارية والموسيقى.

البرازيل: القفز فوق سبع موجات

على شواطئ البرازيل، خاصة في ريو دي جانيرو، يتجمع الآلاف في ليلة رأس السنة، مرتدين الملابس البيضاء التي ترمز للنقاء والسلام. ومن الطقوس الفريدة القفز فوق سبع موجات متتالية وتقديم الزهور لإلهة البحر “ييمانجا” حسب المعتقدات الإفرو-برازيلية، وذلك لجلب الحظ والبركة.

الولايات المتحدة: القبلة عند منتصف الليل

من التقاليد المتبعة في الولايات المتحدة، والتي قد تبدو غريبة للبعض، تبادل القبلات عند منتصف الليل بين الأحبة أو الأصدقاء. هذا الطقس يُعتبر وسيلة لضمان الحظ الجيد وبداية سعيدة للعلاقات في السنة الجديدة، ويُعتقد أنه من لا يتلقى قبلة في تلك اللحظة سيعيش عامًا من الوحدة.

الطقوس الغريبة في إفريقيا

جنوب إفريقيا: رمي الأثاث من النوافذ

في بعض أحياء جوهانسبرغ، وخاصة المناطق الفقيرة، يقوم الناس برمي الأثاث القديم والأشياء غير المرغوب فيها من النوافذ عند منتصف الليل. هذه العادة التي قد تكون خطرة ترمز إلى التخلص من كل ما هو سلبي وقديم، وفتح المجال لاستقبال الجديد. السلطات تحذر من هذه الممارسة وتحاول الحد منها، لكنها لا تزال قائمة في بعض الأحياء.

إثيوبيا: الاحتفال برأس السنة في سبتمبر

رغم أن إثيوبيا تتبع تقويماً مختلفاً يُعرف بالتقويم الإثيوبي، إلا أن تقاليد رأس السنة فيها تحمل طابعاً غريباً. يُحتفل ببداية السنة الجديدة في 11 سبتمبر ويُعرف بـ”إنكوتاتاش”. من أبرز الطقوس إشعال النيران في الساحات والرقص حولها، وهو تقليد يعود لقرون طويلة ويرتبط بتقاليد دينية وثقافية ذات رمزية عميقة.

نيجيريا: الرقص بالأقنعة والتماثيل

في بعض المجتمعات التقليدية في نيجيريا، لا سيما بين شعوب اليوروبا والإيبو، يتم تنظيم مواكب راقصة ليلية تتضمن استخدام الأقنعة والتماثيل التي تمثل الأرواح أو الأسلاف. هذه الطقوس تهدف إلى طلب الحماية والبركة من الأرواح خلال العام الجديد، وتُعتبر من أبرز التقاليد التي تمزج بين الطقوس الدينية والممارسات الشعبية.

الطقوس الغريبة في أوقيانوسيا

أستراليا: احتفالات منتصف الصيف

رأس السنة في أستراليا يقع خلال فصل الصيف، ما يجعل من الطقوس المرتبطة به مختلفة تمامًا عن تلك في الدول ذات الطقس البارد. يُحتفل بالسنة الجديدة على الشواطئ، وتُقام حفلات موسيقية ضخمة وألعاب نارية تطلق من مرفأ سيدني، واحدة من أشهر عروض الألعاب النارية عالميًا. أما الطقس الغريب، فهو عادة القفز في البحر مع حلول منتصف الليل، حيث يُعتقد أن ذلك يجلب النشاط والحيوية للسنة الجديدة.

ساموا: أول من يستقبل السنة

بفضل موقعها الجغرافي، تُعد ساموا من أولى الدول التي تستقبل العام الجديد. يحتفل السكان المحليون بطريقة مميزة تشمل الصلوات الجماعية والرقصات التقليدية وتقديم الطعام للأرواح. ما يميز هذه الطقوس هو المزج الفريد بين التقاليد المسيحية والمعتقدات الوثنية القديمة، حيث تُمنح الأرواح مكانة بارزة في مراسم الاحتفال.

مقارنة بين الطقوس عبر الدول

لتوضيح الفروقات الثقافية في استقبال العام الجديد، يُمكن تلخيص أبرز الطقوس في الجدول التالي:

الخلاصة

الاحتفال ببداية السنة الجديدة ليس مجرد تقويم رقمي يتغير، بل هو فعل رمزي وثقافي يعكس رؤية المجتمعات للزمن، والتجدد، والتطهر من الماضي، واستقبال المستقبل بأمل وتفاؤل. رغم غرابة بعض الطقوس، إلا أنها تحمل في جوهرها مشاعر إنسانية مشتركة من الترقب، والتغيير، والانبعاث. هذه العادات، مهما بدت غريبة، تكشف عن تنوع التجارب البشرية وتعكس غنى الإرث الثقافي العالمي.

المراجع:

1. Lonely Planet, “Strange New Year Traditions from Around the World.”

2. BBC Travel, “Global New Year’s Eve Rituals and Superstitions.”